الاقتصاد الإيراني في ظل العقوبات الأمريكية وأزمة كورونا* ولفريد بوختا

حتى من قبل أن تشتعل جائحة كورونا في فبراير من العام 2020 كان الاقتصاد الإيراني في أزمة زادها تجديد العقوبات الأمريكية منذ مايس من العام 2018 المفروضة ضد ايران. ففي بداية عام 2020 كانت جميع المؤشرات الاقتصادية التي تعكس حالة الاقتصاد الإيراني سلبية. فالناتج القومي كان قد تراجع عام 2018 بمقدار 5%  بالنسبة لعام 2017، كما تراجع بنسبة 10% إضافية عام 2019، كما يتوقع صندوق النقد الدولي انخفاضاً جديداً للناتج القومي بمقدار 6,5 % في العام 2020. بالإضافة إلى ذلك فقد تراوحت معدلات التضخم خلال الفتبرة من 2010 إلى 2020 ما بين 20 و 40%، وهي تقدر في الوقت الحاضر بـ 41%، ويميل الاتجاه إلى الإرتفاع. وكنتيجة لذلك انخفضت القوة الشرائية ل 84 مليون نسمة تقريباً بصورة كبيرة، لا سيما بين الأكثر الأكثر فقراً من 70% من السكان. يقدر الأن عدد العاطلين عن العمل في إيران بـ 6 ملايين إيراني، لا سيما بين النساء والشباب.(1)

 

أسس وأداء الإقتصاد الإيراني

على الخلاف من دول الخليج العربية الغنية التي تعتمد بالدرجة الأساسية على اقتصاداتها الأحادية القائمة على استخراج وتصدير النفط الخام، فإن إيران لها، إلى جانب احتياطياتها الكبيرة من النفط والغاز (حيث يأتي ترتيب إيران بالنسبة لاحتياطيات النفط الرابع، وبالنسبة لاحتياطيات الغاز الثانية في العالم) خزين كبير من القوى العاملة المدربة جيداً. وربما الأهم من ذلك، هو أن إيران تمتلك قاعدة صناعية واقتصادية عريضة نسبياً. فعلى سبيل المثال كانت هناك هناك شركات مسجلة في بورصة طهران عام 2019 شركات من أكثر من 40 قطاعات وفروع صناعية واقتصادية، منها البيتروكيمياويات، شركات التعدين والمناجم (حديد، نحاس، رصاص، المنيوم) صناعات انشائية، صناعات حديدية، صناعات زراعية، صناعة سمنت، صناعات نسيجية، صناعات ملابس، صناعات انتاج ومعالجة مواد غذائية وصناعات تبوغ.

إن الأساس لتلك القاعدة الصناعية العريضة كان قد وضع في عهد المملكة البهلوية خلال الفترة (1925-1979). وبعد قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية قام أصحاب السلطة الجدد بتأميم 90% من الشركات الصناعية والمعامل الاقتصادية، وتقريباً جميع المصارف.إضافة إلى ذلك فد انعكس اندفاع المساواة الاجتماعية للنظام الثوري في المكتسبات الاقتصادية. وكان المستفيدون الرئيسيون قبل كل شيء الأتباع المخلصين لخميني من الذين، ومنذ عام 1979، جرت ترقيتهم سياسياً واجتماعياً لا سيما من الفقراء المستضعفين الذين شاركوا في نظام الشاه والذين شكلوا مشاة الثورة. وبقوة استثنائية عمل نظام الثورة عمل وفي عضون عشرة سنوات على بناء بنى تحتية شاملة، وفي انجازية متميزة، رغم الأعباء الكبيرة الاقتصادية والمالية والعسكرية التي تحملتها طهران إضافة إلى أعباء الحرب ضد العراق (1980-1988). وخلال العقود الأولى من عمر النظام الجديد جرىكساء جميع الشوارع الريفية للبلاد بالاسفلت. وهكذا أصبح النقل بين المدن والقرى النائية ممكناً. ومن خلال تأسيس منظمات تطوير ثورية من أجل دعم الاقتصاد الزراعي وسكان الأرياف حصلت قرى صغيرة ونائية على الكهرباء والماء الصالح للشرب. كذلك فقد جرى توسيع وتحسين النظام الصحي بصورة كبيرة.  وبفضل توسيع النظام التعليمي فقد انفضت الأمية في عقود عمر النظام الأولى من 80% إلى أقل من 20%. وبالتوازي مع تزايد خريجي المدارس فقد فقد تم تأسيس عشرات الكليات الجديدة في جميع أنحاء البلاد والتوسع في البنة التحتية لقطاع التعليم. يوجد اليوم في إيران 4,5 مليون طالب، منهم أكثر من 55% من النساء.

وبالمقارنة الإقليمية فإن إيران تمتلك شروط إنطلاق عظيمة. ولكن رغم ذلك يركد التطور الاقتصادي والاجتماعي في إيران ويبقى لحد هذا اليوم خلف امكانياتها. والسؤال هو: ما هو سبب ذلك؟

لقد أهملت إيران وقصرت في أن تسلك طريق التطور الاقتصادي بعزم، وهو الطريق التي كان يمكن أن ينهض بها، كما هو الحال على سبيل المثال الطريق التي سلكتها كوريا الجنوبية. وهكذا كانت النتيجة أن إيران لم تستطع حتى اليوم، وعلى أساس قاعدة صناعية تقنية، من تأمين الرفاهية ومستوى معاشي لائق لشعبها، بصورة دائمة، بل على العكس من ذلك. فاليوم يعيش 50% من الشعب تحت خط الفقر، فمعدل الأجر الأدنى قد انخفض ما بين عامي 2010 و 2018 من 400 دولار شهرياً إلى 100 دولار.(2) وباختصار: فإن إيران لم تستطع الوفاء بعهودها لشعبها في تحقيق المساواة والرفاهية، وهذا ما توحيه الأرقام. إن المسؤول عن هذه التعاسة الاجتماعية، إلى جانب العوامل الخارجية مثل العقوبات الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية، هم وبالدرجة الأساس العوامل السياسية العقائدية، وقبل كل شيء سوء الإدارة الاقتصادية والفساد في دوائر نخب السلطة التي يمثل مشاركتهم في إيرادات النفط شريان حياتهم.

وحتى هذا اليوم يشكل اعتماد ايرادات الدولة على عوائد النفط علة الاقتصاد الإيراني. فقد شكلت إيرادات النفط عام 2014 نسبة 33% من ميزانية الدولة و 24% من الناتج القومي الإجمالي. وكما هو الحال في الدول المجاورة ذات الاقتصاديات الريعية النفطية فإن النفط بالنسبة لإيران هو النعمة واللعنة. وهكذا ارتفعت أهمية ايرادات النفط من العملة الصعبة لتكون المحرك الأساسي لتطور الاقتصاد وتوسيع البنى الارتكازية التقنية والطبية والحفاظ على رعوية الدولة. لقد حافظ النظام على مهمة رعوية الدولة من خلال دعم الدولة لأسعار مواد غذائية أساسية كثيرة وأسعار الوقود وبنزين السيارات بمبالغ كبيرة: ففي عام 2006 شكلت مبالغ الدعم لمواد الطاقة والماد الغذائية نسبة 25% من اجمالي الناتج القومي.(3) وبذلك يحدد سعر النفط الخام وبدرجة كبيرة حالة (الخير أو الألم) لإيران.

ومنذ اندلاع الحرب العراقية الإيرانية عام 1980 وحتى أزمة كورونا عام 2020 تذبذب ذلك السعر ونطلق كبير أحياناً أشبه في ارتفاعه وانخفاضه بلعبة (سكة الموت) في مدينة الألعاب. ففي شهر أبريل من العام 2020 هبط سعر برميل النفط إلى 20 دولار. وبذلك فإن إيرادات إيران النفطية كانت منخفضة إلى حد لم يسبق له مثيل. ومن أجل أن تضمن إيران تعادل في ميزانية الدولة، فإنها بحاجة إلى أن يبلغ سعر برليمل النفط ما بين 110 و 130 دولار (برميل النفط الواحد يساوي 131 لتر) (4). إن الميزانية المالية لطهران تعاني اختلالاً لا سيما منذ تجديد العقوبات الاقتصادية في شهر مايو من العام 2018، والتي جرى بموجبها تقليص صادرات النفط الإيرانية بصورة كبيرة. ففي حين بلغت صادرات النفط الإيرانية منتصف عام 2018 ما مقداره 2,7 مليون برميل يومياً، انخفضت تدريجياً بسبب تشديد تطبيق العقوبات الاقتصادية الأمريكية إلى 144 ألف برميل يومياً في شهر أبريل من العام 2020.(5)

إن التجاهل الطويل لجائحة كورونا في إيران، لحين الاعتراف الرسمي المتأخر للحكومة بذلك في شهر فبراير 2020، والتي ضربت نظام الملالي في الوقت الخطأ، كما يقال، في زمن الأزمة الاقتصادية الكبيرة وشحة الموارد المالية، وكذلك بسبب أزمة الشرعية. إن المعاناة الاقتصادية قادت إلى اندلاع موجات الاحتجاجات الاجتماعية الثانية وفي عموم البلاد، والتي حدثت أولاها في نهاية عام 2017 بداية 2018، والثانية في شهر نوفمبر من العام 2019. وفي كلا الحالتين قمع النظام التزاهرات بكل الوحشية (6).

إن الاحتجاجات الاجتماعية المستقبلية وبسبب الأزمة الاقتصادية المستمرة ربما ستطال مسألة شرعية الحكم، لا سيما بعد ما حصل من أمر اسقاط الطائرة الأوكرانية ومقتل 176 راكباً فوق مدينة طهران وتخبط إيران بالتعامل مع توضيح ملابساتها، وهو ما يفسر في ذات الوقت عدم ثقة الإيرانيين في إدارة النظام لأزمة كورونا.

 

أزمة كورونا

 

إن إجراءات مكافحة كورونا المتخذة من قبل الحكومة الإيرانية منذ شهر فبراير من العام 2020 تشكل سلسلة من التقصيرات والتضليلات والفشل. ويكمن واحد من هذه الأسباب في المراعاة السياسية والعلاقة مع الصين. ومن أجل ضمان البقاء على الحياة سياسياً فإن إيران معتمدة على وبصورة كبيرة على التعاون السياسي، وقبل كل شيء، على الاقتصادي والتجاري مع الصين. فبسبب العقوبات الأمريكية فإن إيران تجد نفسها في ضائقة ولا يمكنها التنازل عن المشتري الأخير لنفطها مثلما لا تستطيع التنازل عن إسهام الصين الذي يبلغ المليارات في بناء البنى التحتية للصناعة، وهو الحقل الذي تدفع فيه بكين إلى الأمام مشاريع كثيرة من خلال منح القروض وإرسال آلاف التقنيين.

وحينما أعلنت الصين في شهر ديسيمبر من العام 2019 عن تفشي نوع جديد من فايروس كورونا ونشر ذلك في جميع أنحاء العالم، قامت الحكومة في طهران بتهوين خطر الانتشار الممكن في إيران. وبالرغم من أن وزير الصحة الإيراني السابق حسن قاضي زاده (2013-2019) كان في شهر ديسيمبر من العام 2019 قد حذر الرئيس حسن روحاني من تهديد تفشي جائحة كورونا، فإن الرئيس أهمل ذلك ولمدة شهرين قبل أن يقوم باتخاذ إجراءات وقاية طبية ويضع خطط طوارىء وقائية. وخلال ذلك كان النقل الجوي اليومي يسير بصورة اعتيادية ودون تقييد بين إيران والصين، حتى جرى ايقافه بداية شهر مارس 2020، ولم يكن يجري فحص المسافرين جوياً من كلا البلدين، أو ربما فقط فحصاً سطحياً للوقوف على الإصابة بالفيروس. وحرصاً على تجنب الخوف والشك بين الناس بأي ثمن، قرر روحاني تجاهل تحذيرات موظفين حكوميين الذين أخبروا عن حالات إحتمالات إصابات بكورونا في مدينة “قم”. لقد كانت هناك كثير من الأمورعلى المحك. هل يجب تأمين مشاركة أكثر ما يمكن من الإيرانيين في أهم فعاليتين لإحياء الصورة الذاتية للنظام وهي: الاحتفال يوم 11 فبراير من كل عام بمناسبة انتصار الثورة عام 1979، والإنتخابات البرلمانية التي كانت قد حددت ليوم 21 فبراير. وكانت وزارة الصحة قد أعلنت ولأول مرة يوم 19 فبراير 2020 عن تسجيل إصابة شخصين أكتشفت في مدينة “قم”. والغريب أن الشخصين المصابين ماتا في مساء ذلت اليوم. وهذا، من ناحية ثانية، قد عزز شك ما ألنته منظمة الصحة العالمية WHO بأن الوباء قد انتشر في عموم البلاد. ولكن، وحتى بعد الاعلان عن تفشي الوباء فإن الحكومة استمرت في التقليل من شأن خطر الوباء وإخفاء مداه. في أثناء ذلك انتشر الوباء بصورة سريعة ودون رادع في 31 محافظة إيرانية. وحتى العاشر من مارس كان هناك عشرات السياسيين الحكوميين ممن أصيبوا بالفايروس، من بينهم ممثل وزير الصحة و 29 عضواً من نواب البرلمان، كما توفى عدد منهم لاحقاً.

لقد بدت مسألة مثيرة أن تكون مدينة “قم” ذات السكان الذين يبلغ عددهم 1,2 مليون نسمة وفيها يدرس ويتعلم 40 ألف عالم ورجل دين شيعي، هي مركز “زلزال” الوباء. لأن “قم” هي ليست فقط أهم مركز للتعليم والعلم للعالم الشيعي، وإنما هي مقام ضريح المعصومة، الدي يشكل مع ضريح الإمام الرضا في مشهد أهم الأضرحة الشيعية في إيران. إن مراقد المقدسين هي أماكن جاذبة لعدد لا يحصى من الحجاج الشيعة من جميع أنحاء العالم. انهم يتوافدون ليلاً ونهاراً لكي يصلوا ولكي يتضرعوا من أجل نجاح مهني أو من أجل الصحة والعافية أو من أجل الشفاء من مرض ما. إنه جزء من ممارسة العبادة التقليدية هو لمس وتقبيل شبكة القضبان الفضية التي تحيط بالنعوش المقدسة.

في مدينة “قم” تقوم جامعة المصطفى العالمية (IMU) التي يدرس فيها 30 ألف، غالبيتهم من الطلبة الأجانب. تخضع الجامعة تحت سرية شديدة، لأنها مؤسسة تبشيرية دعوية وتهيأة وكلاء في نفس الوقت وأنها تهدف إلى تأهيل طلاب أجانب للعمل لاحقاً كأئمة أوفياء لإيران ومبشرين في أوطانهم عندما يعودون. ومن بين طلاب جامعة المصطفى العالمية هناك 700 طالب سني وشيعي ايغوري من غرب الصين. نهاية شهر مارس أكد ممثل وزير الصحة الإيراني، علي رضا ريسي، الإفتراضات الرائجة منذ أسابيع بأنه وعبر طلبة جامعة المصطفى العالمية الذين أكانوا قد أصيبوا بفايروس كورونا خلال قضائهم لعطلهم في بلدهم الصين، قد وصل إلى إيران.(7) وبالتأكيد فقد ساهمت زيارات طلبة جامعة المصطفى العالمية إلى أكبر مدن الحج في إيران (قم، مشهد، ري طهران، شيراز) في الإنتشار السريع للفايروس من هناك. إنها مراكز إنطلاق مثالية، لا سيما وأن أماكن الحج هذه، وحسب البيانات الرسمية، كان قد قام بزيارتها 80 قرابة مليون حاج عام 2019. ورغم التحذيرات من قبل علماء الفيروسات لم يتمكن الأمناء الروحيون لأضرحة الحج، جميع المحسوبين والمنسوبين لقائد الثورة علي خامنئي لمنعهم من زيارة الأضرحة لفترة طويلة. إن عقائدهم الخرافية وتقواهم القائمة على إزدراء الواقع وتبريرهم: بأن أماكن الحج ومن خلال الأضرحة المقدسة لها من البركات الإلهية والقوى الإعجازية إنما هي أماكن للشفاء، وكل حاج يقصدها فإنه محصن. غير أن النوايا الإلهية في مقاومة هؤلاء هي أقل منها في طموحات أرباحهم المادية الجشعة المتجذرة، دفعهم ليلتزموا الصمت. إن موجات الحجاج وزبائن تجار البزار نتملأ صناديق أمناء الأضرحة بكثير من المال. ولماذا؟ لأن لأن سياحة الحج والتي بنيت من قبل وكالات سفرياتهم وفنادقهم ومطاعمهم ومحلات التعبد يشكل صفقات تقدر بالمليارات، التي يتكسبون منها في جزئها الأكبر. وعندما تمكنت وزارة الصحة يوم 16 مارس وضد مقاومة رجال الدين الشيعة القائمين على أعمال أضرحة الحج  كان الوقت قد أصبح متأخراً، حيث كان الفايروس قد إنتشر.

في بداية شهر مارس وجه الرئيس الروحاني بتأسيس هيأة أزمة لمتابعة تطورات وباء كورونا وتحت إدارة وزارة الصحة. وبدعم من قائد الثورة أصدرت هذه الهيأة قرارات غلق المدارس والجامعات والمطاعم وقاعات ومراكز الرياضة والفنادق والبزارات والأسواق وأماكن الصلاة العامة، بما فيها الجوامع في عموم البلاد. كما جرى تقليص العمل في المكاتب الحكومية والمصارف والمعامل وفي قطاعات البناء والزراعة وأسواق التبضع الكبيرة وكذلك وسائل الموصلات العامة. كما ترك الرئيس روحاني للإيرانيين، ودون توجيهات ملزمة، لممارسة التباعد الاجتماعي. وحيث أن حظر التجول مناطقياً أو اقليمياً وكذلك قرارات الحجر الصحي بقيت غير مقترنة بعقوبات قام ما يقرب من 8,5 مليون إيراني بزيارات لأقاربهم وأصدقائهم في مدن ومحافظات أخرى بمناسبة بدء الاحتفال السنوي بالسنة الفارسية الذي يستمر أسبوعين. وفي إطار دعم خامنئي للتعليمات الحكومية في مكافحة الوباء، ومن أجل التنصل من مسؤولية وتوجيه اللوم إلى العدو الأكبر لإيران، الشيطان الأكبر، فقد قام خامنئي ومن خلال خطبه بنسج نظريات تآمر. فكما أعلن خامنئي في كلمته يوم 21 مارس بمناسبة احتفال السنة الفارسية الجديدة، بأن فايروس كورونا خرج من إحدى مختبرات السلاح الأمريكية وأنه صمم حسب جينات الإيرانيين وسرب إلى إيران.

إن النظام الصحي الإيراني الضعيف التمويل، والذي كان يعاني منذ البدء من صعوبات كبيرة صعب عليه التعامل مع جائحة كورونا. فقد كان يعاني من نقص، ولا يزال، من مواد فحص طبي وأجهزة تنفس وأسرة رعاية مركزة وعلاجات طبية وملابس واقية ومواد تعقيم. إن هذه المواد كانت قد تفاقمت شحنتها بسبب العقوبات الاقتصادية الأمريكية التي جرى تجديدها عام 2018. فطهران منذ ذلك الحين لم تتمكن من التصرف بحساباتها في الخارج. وحيث أن جميع المصارف العالمية كانت قد أوقفت تعاملاتها مع إيران، فقد توقف تقريباً استيراد المواد الطبية الأساسية. وعلى الرغم من ذلك فقد رفض قائد الثورة خامنئي نهاية شهر مارس من العام 2020 عرض الحكومة الأمريكية لمساعدة طهران في كبح جماح الجائحة من خلال إرسال مواد معونة طبية وأطباء بفظاظة. وهكذا بقيت الولايات المتحدة الأمريكية، كما يراها خامنئي، عدوة ماكرة وشريرة بالنسبة للثورة، والتي لا يمكن الوثوق بها. وبسبب “فيتو” اعتراض خامنئي فشلت كذلك بعد ذلك بفترة قصيرة مهمة عون اضطراري لمنظمة المساعدات الإنسانية الفرنسية أطباء بلا حدود (MSF ) كانت في طريقها إلى إيران بعد أن كان قد وافق عليها مدراء في وزارات الخارجية والصحة والمخابرات في حكومة روحاني. وبتلبس من جنون العظمة السياسية علل خامنئي رفضه في شكه، بأن العملية تقوم على عملية تغلغل هادفة لعملاء غربيين يرومون تفسيخ إيران.

إن عملية إلغاء المساعدة لمنظمة أطباء بلا حدود والتي كانت قد اتخذت طريقها إلى إيران، والتي كانت قد دعمت من قبل الحرس الثوري، قد كشف مرة أخرى هاوية الصراع على السلطة الدائمة بين أجنحة النخب، والتي بقيت، حتى في ظروف مكافحة كورونا التي تستوجب الوحدة الداخلية، لم تخمد أبداً. ففي الوقت الذي كانت هيأة أزمة كورونا المشكلة من قبل روحاني مستعدة من الناحية المبدئية للتعاون مع الغرب من أجل مكافحة الجائحة، يرفض أخرون من مراكز السلطة والمكلفة كذلك بمكافحة كورونا عملية المساعدة الطبية. ومن هذه المراكز هو مركز الإمام الرضا للصحة والعلاج الطبي.  إن المنظمة التي التي يديرها رئيس أركان القوات المسلحة الجنرال محمد باقري والمؤسسة بدعم من خامنئي في مارس من العام 2020 من قبله تقوم بعمليات تتعلق بفايروس كورونا كحرب وقائية ضد حرب بيولوجية أمريكية مقنعة ضد إيران. هذا التصور يتقمصه كذلك المركز الرئيسي المركزي للدفاع البيولوجي (CBDH) التابع للحرس الثوري، فهو مركز أخر ينشغل بمكافحة كورونا ويمثل منظمة كبيرة هجينة طبية عسكرية. إن هذه المنظمات المبهمة التي تعمل تارة جنباً إلى جنب، وتارة ضد بعضها البعض، التي تتصارع حول الطاقات البشرية والموارد المالية والكفاءات والمكانة الإعلامية من خلال إعداد التقارير حول كورونا لوسائل الإعلام الحكومية، والتي منعت إيران من تطبيق استراتيجية قاطعة ومدروسة ومنسقة لمكافحة الكورونا. ولهذ السبب فإنه ليس من العجب أن تكون السياسة الإعلامية الرسمية للنظام الإيراني بخصوص استراتيجية التعامل مع كورونا تتسم باللا شفافية  والدعائية والتقليل أضرار المعلومات المضللة. إن جميع البيانات الحكومية الرسمية والمعلومات والاحصاءات ناقصة وأحياناً متناقضة ولا يمكن التحقق منها على الإطلاق. إن الصحافيين المنتقدين والنشطاء على وسائل التواصل الاجتماعي ممن يشككون ببيانات كورونا يدفعون ثمن شجاعتهم بالمراقبة والحبس.(8) وكما أعلن المتحدث باسم القوات المسلحة الإيرانية يوم 28 أبريل على الملأ بأن عناصر الشرطة وميليشيات البسيج (الحشد) قاموا باعتقال 3600 شخص بسبب ترويجهم لغشاعات حول فايروس كورونا. هذه الجريمة ساهمت، حسب الناطق، إلى الاشتراك في حرب نفسية التي يقودها أعداء خارجيون لإيران.(9) انهم يسعون إلى أن يبقى العامة من الناس في جهل حول أبعاد الجائحة من خلال تزوير الاحصاءات وأعداد حالات الوفيات للمستشفيات أو المركز الرئيسي المركزي للدفاع البيولوجي (CBDH) التابع للحرس الثوري وبصورة ممنهجة. (10)

وهذا ما جعل الشك يدور حول البيانات الرسمية التي تصدرها وزارة الصحة، حين أعلنت يوم 23 أبريل بأن عدد الإصابات يبلغ 87026 والوفيات 5481، والتي اعتبرتها منظمة الصحة العالمية منخفضة جداً. إن الحقيقة تقترب مما أعلنته دائرة بحث علمية تابعة للبرلمان الإيراني من خلال تقرير لها حيث قدر عدد المصابين بـ 600 ألف إيراني. وأكثر من تلك الصورة عتمة للواقع الحالي ما جاء به “مهران باراتي” المتحدث باسم المجلس الانتقالي للمعارضة الديمقراطية الإيرانية في ألمانيا، والتي تستند إلى ما وصله من معلومات سرية من وزارتي الداخلية والصحة الإيرانية، والتي تقدر عدد المصابين حتى منتصف شهر أبريل بمليون إصابة وبعدد 160 ألف حالة وفاة. ومن أجل التهيؤ للأسوأ، سمح النظام في إيران في الوقت الحضار في أكثر من 500 من أصل 2700 مدينة إيرانية وفي حدود المدافن

القائمة بحفر مقابر جديدة جماعية.(11) وإذا ما صحت هذه المعلومات فإن ذلك يعني أن الحكومة الإيرانية فقدت السيطرة على انتشار فايروس كورونا إلى حد بعيد.

إن الإغلاق الكامل لنصف الاقتصاد قد زاد من حالات العوز كثيراً لما يقرب من 20 مليون من الأجراء اليوميين ممن لا يملكون عقود عمل ثابتة وتأمين صحي ومدخرات، خاصة وأن الحكومة المفلسة تقريباً لا تتمكن من دعم أجور العمل المحدود أو إعانات بطالة. وبسبب احتمال ما يهدد من إنهيار كامل للاقتصاد في حال استمرا الإغلاق الكامل، وجد الرئيس الإيراني نفسه مضطراً للقيام بعمل ما. واعتماداً على بيانات طبية غير محددة والتي تساعد على تسطيح موجة كورونا، أعلن روحاني يوم 19 أبريل بأنه يسمح وبدءً من يوم 26 أبريل، أي منذ اليوم الأول لشهر صوم رمضان، فتح البزارات والتبضع والأسواق الكبيرة ومحلات تجارة المفرد، مع بقاء المطاعم وأماكن الحج والجوامع بعكس ذلك مغلقة. وطبعاً حصل أن حذر بعض ممثلون رفيعوا المستوى في حكومة روحاني، من بينهم ممثل وزير الصحة، عراقجي حريرجي، من رفع القيود المستعجل والسابقة لأوانها في التعامل مع أزمة كزرونا. إنهم يخشون أن أجراءات الحكومة قد تهدد أمن المواطنين ومن ثانية وثالثة للوباء وبأكبر أضرار.

باختصار: إن إيران تعيش أعمق أزماتها منذ العام 1979، التي لا يمكن تقدير تبعاتها.

 

ولفريد بوختا

ألماني، حاصل على شهادة الدكتوراه في العلوم الإسلامية. عمل ما بين الأعوام 2005 و 2011 في بغداد كمحلل سياسي لبعثة الأمم المتحدة في العراق. خبير عالمي معروف في الموضوعات المتعلقة بالعراق وإيران والشيعة، والتي نشرعنها كثيراً

https://wilfried-buchta.de

 

ملاحظات الحواشي:

  • جميع الأرقام تحت:

Mohssen Massarrat, Die ökonomische Misere, in: Iran. Theokratie und Republik. Edition Le Monde Diplomatique 27/2020, S. 35-39, hier. S. 35

  • قارن: نفس المصدر، صفحة 38
  • قارن:

Keith Crane, Iran s Political, Demographic, and Economic Vulnerabilities, Santa Monica 2008, S. 89f

  • قارن:

Amin Saikal, The Survival and future oft he Islamic Republik, New Jersey 2019, S. 137

  • قارن:

Dalga Khathinoglu, IMF Forecasts Rising Government Debt, Declining Exports, Growth for Iran, 16.4.2020,

https://en.radiofardo.com/a/imf-forcasts-rising-government-debt-declining-exports-growth-for-iran/30558857.html.

  • قارن:

Afshin Shahi/ Ehsan Abdoh- Tabrizi, Iran s 2019-2020 Demonstrations: The Changing Dynamics of Political Protests in Iran, in: Asian Affairs 1/2020, S. 1-41, hier S. 2

  • Iran Official Says Chinese Nationals, Iranian Students From Wuhan Spread Coronavirus, 25.3.2020

https://en.radiofardo.com/a/iran-official-says-chinese-nationals-iranian-students-from-wuhan-spread-coronavirus/30508613.html.

 

  • قارن:

Iranian Journalists Persecuted for Reporting the Pandemic, 17.4.2020,

https://iranwire.com/en/features/6936.

  • قارن:

Iran Law Enforcement arrested 3600 for Coronavirus Rumors, 29.4.2020

https://en.radiofardo.com/a/iran-law-enforcement-arrested-3-600-for-coronavirus-rumors-/30583234.html.

  • إن عوائل ضحايا وباء كورونا يجب عليهم منذ شهر مارس ولأغراض إصدار شهادات الوفاة مراجعة المركز الرئيسي المركزي للدفاع البيولوجي (CBDH) التابع للحرس الثوري، والذي يقوم بـ “تصحيح” أسباب الوفاة، من كونها بسبب وباء كورونا إلى أسباب التهاب رئوي أو عجز الدورة الدموية للقلب.

قارن:

Death Certificates for Covid-19 Victims in Iran must be issued by Revolutionary Guard, 10.4.2020.

https://en.radiofardo.com/a/death-cerificates-for-covid-19-victims-in iran-must-be-by-revolutionary-guard/30545869.html.

  • مقابلات المؤلف مع “مهران باراتي” برلين، 4.2020

 

*المصدر:

Wilfried Buchta: Irans Wirtschaft im Zeichen von US-Sanktionen und Corona- Krise

Machtstrukturen der Islamischen Republik Iran, APuZ Zeitschrift der Bundeszentrale für politische Bildung bpb, 70. Jahrgang, 21-22/2020, 18. Mai 2020, S. 34-38,

Beilage zur Wochenzeitung: Das Parlament

 

ترجمها عن الألمانية: الدكتور نزار محمود

رئيس المعهد الثقافي العربي في برلين