صبر النظام الإيراني الاستراتيجي، مع محاولة سرية لامتلاك قنبلة ذرية

نظام الحكم القائم في إيران، وكما في الماضي تابع عدة سياسات استراتيجية في وقت واحد وبعضها إلى جانب البعض الآخر، وإن اغتيال محسن فخري زاده لن يغير هذه السياسات المتعددة الجوانب. وتحت ستار “الصبر الاستراتيجي” ، أصبح النظام الإيراني يتسارع في تخصيب اليورانيوم لدرجة تسمح له بامتلاك أول سلاح نووي.

 

حمید آقايي عضو مجلس المدراء في مجلس إدارة المرحلة الانتقالية الإيراني

القاسم المشترك لرد فعل المسؤولين في نظام الحكم القائم في إيران على اغتيال محسن فخري زاده من قبل فريق مكون من 12 عضوًا، على الرغم من الوعد بالانتقام من القتلة، كان الصبر إلى حد كبير وإلغاء فكرة أن “مثل هذه الأعمال كانت جزءًا من الجهود الأخيرة لإسرائيل وإدارة ترامب لجر الجمهورية الإسلامية إلى الحرب وإرباك طاولة المفاوضات المحتملة مع إدارة جو بايدن ولا ينبغي لنا الانجرار إلى هذه الفخ”.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو أنه على الرغم من إصرار الحكومة الإسرائيلية الجاد على تدمير الهياكل النووية للنظام فضلاً عن تغير الوضع العالمي وحساسية الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي وكذلك أميركا تجاه المشاريع النووية لنظام الحكم القائم في إيران وهي الحساسية التي اشتدت عقب التقرير الأخير لمنظمة الطاقة النووية إضافة إلى حساسية هذه الدول حيال برامج النظام الإيراني الصاروخية ووجود الحرس الثوري الإيراني في المنطقة، وكذلك الاحتمال القوي للغاية بأن المفاوضات المستقبلية لن تبقى في إطار الاتفاق النووي السابق، فهل يضع النظام الإيراني جميع بيضها في سلة الاتفاق النووي ثم يجلس منتظرا مكفوف الأيدي على أمل المفاوضات القادمة؟

وتظهر الآراء التي أدلى بها خبراء الأمن والشؤون الدولية في النظام الإيراني على عكس هذه الخطة الأحادية الجانب للنظام. وطبعا هذه الآراء لم تخطر ببال هؤلاء الخبراء فقط ، بل ومن المستحيل أن تكون قيادة النظام الإيراني قد تجاهلت هذه الآراء في الوقت الذي اختارت التوجه والأمر إلى الشرق ليكونا سياستها الاستراتيجية وتريد أن تظهر بمظهر قوة عسكرية إقليمية وعالمية إلى جانب روسيا والصين.

وكتب مازيار آقا زاده، خبير بارز في الشؤون الدولية لدى النظام الإيراني، في مقال له بعنوان “عندما يمثل الصبر الاستراتيجي كاهل أشيل للأمن القومي الإيراني” نشر في مجلة “عصر إيران” الإلكترونية: ‌ “أعتقد أن أفضل خطوة ينبغي أن تتخذها إيران في الوضع الحالي هي قلب حسابات العدو من موقع لا يتوقعه أو يعتبره أقل احتمالا”.

وأضاف يقول: “عندما يتوقع العدو أن نتقوقع وننطوي على أنفسنا أو أن ننتقل إلى موقع يريده هو إذا خرجنا من موقعنا (أي الحرب)؛ فالخيار المعقول بالنسبة لنا هو الخروج من الصدف ولكن التوجه إلى موقع يفرض الكلفة والثمن على العدو ويكون العدو لم يضعه في حساباته أو اعتبره أقل احتمالا”.

ويختتم مقاله باستنتتاج وتقديم توجيهات قائلا:  “إن الرد المناسب والسريع والصادم للعدو من موقع لا يتوقعه وقلب حساباته في هذه الظروف سيصبان في خدمة تحقيق المصالح الوطنية والأمن القومي الإيراني؛ ولا شك في أن المسؤولين لديهم خيارات متنوعة لاتخاذ مثل هذه الخطوة؛ بما في ذلك توجد هناك مجالات واسعة ضمن التعهدات النووية للدولة سيكون تعليقها الشامل خطوة جيدة أولى”.

كتب أحمد بخشايش أردستاني، عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان وخبير في الشؤون الدولية وباحث في مجال الأمن، في مقال نشر على موقع الدبلوماسية الإيرانية، يقول: “نقطة أخرى مهمة هي إيجاد حل لإنهاء لهذه الظروف. مع استمرار هذه الاغتيالات في السنوات الأخيرة، يجب على جمهورية إيران الإسلامية أن تمتلك بشكل نهائي أسلحة نووية حتى يعرف العالم واجبها. وقد يخلق ذلك مشاكل للبلاد في السنوات الأولى، ولكن في وقت لاحق سيقبله النظام الدولي بالتأكيد كحقيقة لا يمكن إنكارها، كما أصبح الأمر كذلك في ما يتعلق بكل من الهند وباكستان وإسرائيل ودول أخرى».

وكما ذكرنا أعلاه، فإن هذه المقترحات ليست مجرد مقترحات يقدمها خبير من الخبراء، بل إن الحصول على قنبلة نووية في أسرع وقت ممكن بحيث لا يجرؤ العدو، بحسب مسؤولي النظام، على تنفيذ عملية تخريب داخل البلاد، كان ولا يزال دوما على طاولة القيادات ومجلس الأمن القومي. والملفت للنظر أن خبيرًا آخر يقوم بحل مشكلة “الصبر الاستراتيجي” ورد الفعل المحافظ من خامنئي وروحاني على اغتيال محسن فخري زاده من جهة والشعارات الحادة لبعض عناصر النظام الرئيسية والمطالبة بالثأر من جهة أخرى.

فقد كتب حسن رجائي، خبير دولي للنظام الإيراني في مقال بعنوان “طريق ثالث بين مفترق طريقي الانتقام” نشرها موقع “ألف” الإخباري التحليلي، قائلا: “هناك نقطة مهمة للغاية في طريق الانتقام”. الاستجابات الأمنية والعسكرية إذا لزم الأمر يمكن أن تكون صامتة وصبورة، بحيث يتعرض العدو لآلام شديدة ولا يستطيع التنفس، ويجب أن تكون الردود السياسية والدعائية مثيرة للضجيج والجدل وفي أقصر وقت ممكن. حان الوقت. إذا أردنا أن نختار هذه الطريقة الثالثة ، أو حتى لو أردنا توجيه ضربة عسكرية متوازنة ، فلكل منهما وقت ذهبي يكون بعده أي عمل قليل الفاعلية. حذار ضياع الوقت”.

بعبارة أخرى، فإن صحيفة كيهان وبعض العناصر الأصولية المتشددة والمثيرة للجدل عادة ما تكون مسؤولة عن ردود سياسية حادة وما يسمى بالشعارات الثورية. فرداً على اغتيال محسن فخري زاده، كتبت صحيفة “كيهان” التابعة لخامنئي في افتتاحيتها: “قلنا عدة مرات في وجه إسرائيل أننا سنضرب حيفا إذا أخطأت إسرائيل. الآن، بافتراض إثبات دور الکیان الصهيوني في هذا الاستشهاد العظيم، يمكننا تفعيل هذا التهديد، لكن ليس بمعنى أننا سنكتفي بعملية بحجم الهجوم الصاروخي الذي قمنا به ضد قاعدة عين الأسد العسكرية. وهذا يعني یجب آن نهاجم حقاً ميناء حيفا المهم بشكل یوقع، بالإضافة إلى تدمير المنشآت، خسائر بشرية كبيرة حتى يصل ردعنا إلى نقطة آمنة.. إن عملية الرد الإيرانية، إذا تم تنفيذها بذكاء ودقة، سيؤدي بالتأكيد إلى الردع، لأن الولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي وعملائه ليسوا مستعدين بأي حال للمشاركة في حرب ومواجهة عسكرية، وهذا هو حرفياً يضع حدا لحالة الحرب والإرهاب في منطقتنا”.

قال كريمي القدوسي ، عضو لجنة الأمن القومي في برلمان النظام الإيراني خلال مناقشة اللائحة العاجلة جدا بعنوان “خطوة استراتيجية لرفع العقوبات” وكمعارض لهذه اللائحة: “إن ما يمكن أن يجعل لائحة خطوة إستراتيجية لرفع العقوبات هو الخروج من إن. بي. تي، وإلا لن يحصد أي مكسب من هذه اللائحة”.

كما وكتب أحد بخشايشي أرديستاني في مقال له على موقع الدبلوماسية الإيرانية يقول: “لو حققنا هذا الشيء المهم (القنبلة الذرية) قبل سنوات لما شهدنا اغتيال الدكتور فخري زاده”.  وأشار أيضا في مذكرته إلى فتوى خامنئي بأن “إنتاج أسلحة الدمار الشامل حرام شرعا”، لكنه يقترح ضمنيًا التخلي عن الفتوى لأن إسرائيل لا تسمح لنا بأن نواصل حتى البحوث وإحراز التقدم في المجالات النووية السلمية”.

الواقع أن نظام الحكم القائم في إيران، وكما في الماضي تابع عدة سياسات استراتيجية في وقت واحد وبعضها إلى جانب البعض الآخر، وإن اغتيال محسن فخري زاده لن يغير هذه السياسات المتعددة الجوانب. وتحت ستار “الصبر الاستراتيجي” ، أصبح النظام الإيراني يتسارع في تخصيب اليورانيوم لدرجة تسمح له بامتلاك أول سلاح نووي. لكن في نفس الوقت، ومن أجل تخفيف ضغط العقوبات، فإنه يترك المجال مفتوحًا للمفاوضات والمحادثات، وبالطبع لا يوجد قلق جدي لديه من أن تبدأ المفاوضات متأخرة وتكون طويلة الأمد، لأنها تعلمت جيدًا طرق الالتفاف على العقوبات.

ولكن في الوقت نفسه يقوم النظام الإيراني حاليا بتكريس جهازه الإعلامي والدعائي باستخدامه هيئة الإذاعة والتلفزيون وصحيفة “كيهان” اللتين كانتا خلال السنوات الماضية ومازالتا لم يكن شغلهما الشاغل إلا الترويج لشعارات ووعود جوفاء، لإبقاء عناصر النظام راضية داخله من جهة وصرف الرأي العام الدولي عن احتمال الرد العسكري الجاد من قبل الحكومة على اغتيال الرجل الأول لبرنامجه النووي من جهة أخرى.